الحب المستحيل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحب المستحيل

اتقوا يوما ترجعون فية الى الله
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحب القديم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
doaa

doaa


عدد الرسائل : 78
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 05/04/2007

الحب القديم Empty
مُساهمةموضوع: الحب القديم   الحب القديم Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 03, 2007 6:10 pm

الناس يفهمون الدين على أنه مجموعة الأوامر و النواهي و لوائح العقاب و حدود الحرام و الحلال.. و كلها من شئون الدنيا.. أما الدين فشيء آخر أعمق و أشمل و أبعد.
الدين في حقيقته هو الحب القديم الذي جئنا به إلى الدنيا و الحنين الدائم الذي يملأ شغاف قلوبنا إلى الوطن الأصل الذي جئنا منه، و العطش الروحي إلى النبع الذي صدرنا عنه و الذي يملأ كل جارحة من جوارحنا شوقا و حنينا.. و هو حنين تطمسه غواشي الدنيا و شواغلها و شهواتها.
و لا نفيق على هذا الحنين إلا لحظة يحيطنا القبح و الظلم و العبث و الفوضى و الاضطراب في هذا العالم فنشعر أننا غرباء عنه و أننا لسنا منه و إنما مجرد زوار و عابري طريق و لحظتها نهفو إلى ذلك الوطن الأصل الذي جئنا منه و نرفع رؤوسنا في شوق و تلقائية إلى السماء و تهمس كل جارحة فينا.. يا الله.. أين أنت.
و لحظة نخطئ و نتورط في الظلم و ننحدر إلى دركات الخسران فننكس الرؤوس في ندم و ندرك أننا مدانون مسئولون.. فذلك هو الدين.. ذلك الرباط الخفي من الحنين لماض مجهول.. و ذلك الإحساس بالمسئولية و بأننا مدينون أمام ذات عليا.. و ذلك الإحساس العميق في لحظات الوحدة و الهجر.. بأننا لسنا وحدنا و إنما في معية غيبية و في أنس خفي و أن هناك يدا خفية سوف تنتشلنا، و ذاتا عليا سوف تلهمنا و ركنا شديداسوف يحمينا، و عظيما سوف يتداركنا.. فذلك هو الدين في أصله و حقيقته.
و ما تبقى بعد ذلك من أوامر و نواه و حرام و حلال و أحكام و عبادات هي تفاصيل و نتائج و موجبات لهذا الحب القديم.
و لكن الحب هو رأس القضية.. و إذا غاب ذلك الحب فإن كل العبادات و الطاعات لن تصنع دينا و لن تصنع متدينا مسلما كان أو مسيحيا أو يهوديا.

و ما كان الصليبيون الذين جاءونا غزاة طامعين.. على دين أي دين.. و لا كان سفاحو الصرب الذين يقتلون الأبرياء على أي ملة من ملل النصارى و لا كان إرهابيو اليوم الذين يفجرون القنابل مسلمين.. و لو صلوا جميعا و لو صاموا الدهر و لو أطالوا اللحى و قصروا الجلابيب و حملوا المصاحف و رتلوا الآيات.. ما بلغوا من الدين شيئا.

و هل بلغ النبي يحيا ( يوحنا المعمدان ) عليه الصلاة و السلام ما بلغه من نبوة إلا بذلك الحنان الذي كان يفيض منه و الذي قال فيه ربه: (( و حنانا من لدنا و زكاة و كان تقيا )) [ مريم : 13 ]

فتلك كانت أركان نبوته.. الحنان و الزكاة و التقوى.

و نبينا عليه الصلاة و السلام الذي كان يحتضن جبل أحد و يقول:

هذا جبل يحبنا و نحبه..

حتى الجماد كان موضع حب النبي و توقيره.

و هذا ابن عربي يقول:

لن تبلغ من الدين شيئا حتى توقر جميع الخلائق و لا تحتقر مخلوقا ما دام الله قد صنعه.

و ربنا عزوجل يقول عن المؤمنين:

(( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى )) [ الحجرات : 3 ]

فالقلوب هي دائما موضوع الامتحان.

و حب الله و حب ما خلق و ما صنع من أرضين و سماوات و نبات و حيوان و بشر هو جوهر كل الديانات الحقة.. و هو المقياس الذي نفرق به بين أهل الدين.. و الأدعياء المشعوذين و الكذبة.

و كل الدعاة الذين يغرقون أتباعهم في التفاصيل و القشور و المظاهر و يبتعدون بهم عن روح الدين.. عن الحب و الرحمة و التقوى و مكارم الأخلاق.. هم من الكذبة بقدر بعدهم عنها.

و ما كان اعتراض المسيح على الفريسيين إلا لإغراقهم في الجدل و في حرفية النصوص و في ظاهر الكلمات دون الالتفات إلى روحها.

و ما كانت نقمة موسى على اليهود حينما أمرهم بأن يذبحوا بقرة.. إلا لإغراقهم في الجدل و التنطع و السؤال.. أي بقرة تكون و ما لونها.. بنية هي أم مرقشة أم صفراء.. عجوز أم بكر.. ادع لنا ربك يبين لنا ما هي.. أو لعلك تهزأ بنا.

هذا الجدل و الغرق في التفاصيل و التحجر على الحروف و الكلمات أخرجهم من الدين في نظر موسى و استحقوا عليه التقريع و اللوم.

و للأسف الشديد التدين اليوم خرج من روح التدين بسبب انحراف الدعوة و انحراف أكثر الدعاة و إغراقهم في القشور و التفاصيل و الخلافيات و الأمور الثانوية مما ألقى بأكثر المسلمين إلى الاختلاف و الجدل و التعصب، و مما أوجد هذا التدين السطحي المتهوس الأبله.

و أرى أننا مطالبون اليوم أكثر من أي يوم مضى بالعودة إلى روح الإسلام و إلى نبعه الشامل.. إلى فضائل الحب و الرحمة و المودة و التقوى و سعة الصدر مع الخصوم و تدبر معاني النصوص و عدم الوقوف عند حروفها و قراءة القرآن بالقلب و ليس بالأحداق.

و الإسلام ليس ألغازا و ليس لوغاريتمات و لا يحتاج منا إلى كل تلك الفتاوى.

و النبي عليه الصلاة و السلام أجاب من سأله عن الإسلام فقال في كلمات قليلة بليغة:

قل لا إله إلا الله ثم استقم.

هكذا ببساطة.. كل المطلوب هو التوحيد و الاستقامة على مكارم الأخلاق.

إنها الفطرة و البداهة التي نولد بها لا أكثر.. أن تحب أخاك كما تحب نفسك.

إسأل نفسك.. هل تنام كل يوم على مودة و حب و رغبة في الخير و نية في عمل صالح ؟ أم على غل و كراهية و حسد و تربص ؟.. و ستعلم إلى أي مدى أنت على دين الإسلام.

ماذا تخفي في طيات ثيابك ؟ هل تخفي خنجرا أم مسدسا ؟ أم تخفي هدية حب و رسالة خير لإخوانك ؟

هل تخطط لتبني أم لتهدم ؟

هل تنطق بالطيب من القول و بالنافع من الكلام ؟ أم تدعو إلى الخراب و الدمار و الفتن ؟

إن الدين لا يحمل سيفا إلا للدفاع عن مظلوم و لا يعرف العنف إلا إصلاحا.

بهذه المقاييس تعرف نفسك و تعرف الخانة التي يقف فيها ذلك الداعية الذي يدعوك إلى الإسلام.. و تعلم أين يقف.. مع الدين أم مع الإجرام.

إنه الحب.. قلب القضية و روحها.. و الجوهر الصافي لجميع الأديان و كل الرسالات.

أما الشرائع و الأوامر و النواهي فهي لتنظيم شئون الدنيا لا غير.. و هي تابعة للإطار العام.. إشاعة السلام و العدل و الحب بين الناس.. و سوف يتوقف عملها في الآخرة.. حينما لا يعود لأحد حكم أو سلطان.

(( لمن الملك اليوم.. لله الواحد القهار )).

انتهت وظيفة كل الشرائع و كل الأوامر.. لأن الأمر الآن أصبح أمر ملك الملوك مباشرة، و التصريف تصريفه، و العدل عدله، و البطش بطشه.. و لم يعد لأحد الحرية في أن يطغى أو يظلم.

و مجال الشرائع إذن محدود بوظائفها و زمانها.

و كما قال الفقيه الإسلامي العظيم.. العز بن عبد السلام.

في زمان شيوع البلوى إذا أصبح تطبيق الشريعة مؤديا إلى ازدياد المنكر فإنه يحسن بالمسلم عدم تطبيقها ( شهود الزور على أبواب المحاكم و يمكنك أن تستأجر أي واحد لتقطع به يد خصمك ).

و من هنا أفتى العز بن عبد السلام بعدم تطبيق حد الخمر على عسكر التتار لأن سكرهم و غيبوبتهم سوف تكف شرهم عن الناس و في ذلك فائدة و خير.. بينما إفاقتهم سوف تؤدي بهم إلى معاودة الأذى و الضرر و في ذلك مزيد من المنكر.

لقد فهم ذلك الفقيه العظيم أن حكمة الشرائع هي إقامة المصالح في الدنيا و أنها مرتبطة بالمنافع و ليس لها حكم مطلق و أن مجالها محدود بوظائفها و زمانها.

و بهذا المعنى نفسه لم يطبق النبي عليه الصلاة و السلام حد القطع على السارق في سنوات الحرب كما لم يطبقه عمر بن الخطاب في عام المجاعة.
و نفس هذا الكلام يقال للغوغائيين من الدعاة و السطحيين الذين يطالبون بقطع الأيدي و الرجم و الجلد كعلاج للفساد الموجود.. و هم لا يعلمون أن الفقه الإسلامي نفسه لا يوافقهم على هذا الفهم السطحي و الغوغائي.. فالعصر باعترافهم عصر شيوع الفساد و شيوع البلوى، و بالتالي يستوجب فقها آخر ملائما للظرف القائم.. لأن تطبيق الحدود العادية سوف يزيد المنكر نكرا.. فالوزير و الكبير الذي يسرق مئات الملايين عن طريق العمولات لن تطبق عليه شروط القطع الفقهية التقليدية و سوف يعفى من القطع بينما النشال الذي يسرق خمسة جنيهات سوف تقطع يده و في ذلك ظلم فاحش و تشجيع للكل بأن يسرقوا و ينهبوا بالطرق الملتوية من عمولات و رشوة و اختلاس و تزييف و خلافه.. و في ذلك حض على عموم المنكر.

و على باب أي محكمة يمكنك أن تشتري أربعة شهود زور لتقطع يد من تريد و ترجم من تشاء.

ثم من يقطع يد من في عالم كله من اللصوص و المرتشين..؟!
و نفس الشيء يقال في معاقبة الزاني بالرجم في الوقت الذي تحض فيه الإذاعات و البث التليفزيوني الخارجي الهابط من الجو عبر الأقمار الصناعية على الفحش العلني و تدفع بالشباب دفعا إلى الفسق.. فالشباب مجني عليه و ليس جانيا و إطلاق الحدود في مثل هذه الحال من شيوع البلوى ظلم.. فضلا عن استحالة استيفاء الشروط الفقهية للرجم و هي.. أربعة شهود يحلفون أنهم شهدوا عملية الإدخال.. فالعقوبة هنا غير واردة.. و هؤلاء الدعاة الغوغائيون يقولون إفكا من القول و زورا و يباشرون فهما متحجرا ضيق الأفق لا يقول به أي فقيه مسلم مستنير.

و ينسى هؤلاء عقلانية الإسلام و مرونته و تقديره للظروف.

و يأخذون من القرآن آية واحدة مقطوعة من سياقها و يغفلون روح القرآن في مجموع آياته و نصوصه و هو كتاب أوله رحمة و آخره رحمة.

و إسلامنا أوله رحمة و آخره حمد و أوسطه محبة.

مقتطف من كتاب
](( سواح في دنيا الله ))
]للدكتور مصطفى محمود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحب القديم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الحب المستحيل :: القسم الاسلامى :: منتدى القران الكريم والسنة النبوية-
انتقل الى: