دوت أبواق سيارات الشرطة والإسعاف على نحو مزعج ، وهي تتوقف أمام ذلك الفندق الفاخر، من فنادق الخمس نجوم ، والمطل على نيل القاهرة ، واندفع مدير الفندق يستقبل رجال الشرطة والأطباء، في توتر بالغ ، وهو يقول : رويدكم أيها السادة .. اخفضوا هذه الأصوات بالله عليكم .. إنكم تصيبون النزلاء بالذعر والاضطراب .. أرجوكم
أشار الرائد صفوت إلى قادة سيارات الإسعاف ، لخفض الأبواق أو إيقافها ، وهو يسأل المدير بلهجة حازمة ، أصبحت جزءاً من تكوينه وشخصيته ، بعد سنوات العمل الطويلة ، في قسم المباحث الجنائية: أين القتيل؟
أشار المدير إلى الداخل في توتر ، قائلاً : هنا لقد نقلناه إلى
قاطعة صفوت في حدة غاضبة : نقلتموه؟ هل جننتم يا رجل؟ إنكم تفسدون القضية كلها بحماقتكم هذه .. كيف تقومون بنقل الجثة ، قبل قيامنا بالمعاينة الأولية؟
توتر المدير أكثر ، وهو يجفف عرقه ، ويلوح بيده قائلاً : لقد أطلق عليه القاتل النار ، في المقهى الرئيسي ، في منتصف المكان بالضبط ، ونسف رأسه على نحو بشع ، وكان من المستحيل أن نترك الجثة هكذا ، وخاصة أن
قاطعه صفوت في حدة : ولو
كان يعبر معه بوابة الفندق الإلكترونية ، التي انطلقت تصرخ في عنف ، معلنة اعتراضها على الأسلحة ، التي تعبرها ، إلا أن صفوت تجاهل صراخها تماماً ، وهما يتجهان نحو المقهى الرئيسي ، حيث انهمك بعض عمال الفندق في تنظيف مائدة في منتصفها ، على نحو جعل صفوت يقول في عصبية : ما الذي يفعلونه بالضبط؟
ارتبك المدير بشدة ، وهو يجيب : الدماء كانت تغرق كل شيء ، و
قاطعه في غضب : سألقي القبض عليك يا رجل ، بتهمة إخفاء الأدلة وإتلافها
امتقع وجه المدير ، وهو يهتف : رباه إنني لم أقصد هذا قط ، ولم
قاطعه هذه المرة بإشارة صارمة من يده ، وهو يشير إلى رجاله ، الذين اندفعوا يبعدون عمال النظافة ، ويحيطون بالمائدة ، في حين سأل هو المدير في صرامة : وأين الجثة؟
أشار الرجل في شحوب إلى حجرة في نهاية القاعة، فاندفع صفوت نحوها ، وهو يغمغم في غضب : كيف يمكننا أن نعمل ، وسط كل هذا الكم من الحماقة؟ يفسدون كل شيء ، ثم يطالبوننا بنتائج عاجلة ، و
كان يغمغم بعبارته ، وهو يفتح باب الحجرة ، ولكنه لم يكد يفعل ، حتى اختنقت الكلمات في حلقه ، واتسعت عيناه عن آخرهما ، وسرت في جسده قشعريرة عنيفة ، وهو يحدق في الجثة ، التي تم نقلها بمقعدها ، الذي لقيت مصرعها فوقه ، إلى تلك الحجرة
كانت جثة رجل يرتدي حلة غالية الثمن ، ورباط عنق زاهي الألوان ، وحذاء إيطالياً فاخراً ، وساعة ذهبية ، و
ولم يكن له وجه
......
أو رأس
لم يكن قد تبقى من رأسه سوى جزء يسير من مؤخرة الجمجمة يتصل ببواقي العنق ، أما فيما عدا هذا ، فقد تم نسف الرأس تماماً
وعلى الرغم من أن صفوت قد شاهد العشرات من حالات القتل العنيفة ، بحكم عمله في منطقة مشتعلة الأحداث ، في أعماق الصعيد ، فور تخرجه ، إلا أنها كانت المرة الأولى ، في حياته كلها ، التي يشاهد فيها مشهداً بهذه البشاعة لذا فقد تراجع بحركة حادة ، جعلت المدير يجفف عرقه ، قائلاً في عصبية
: كان من المحتم أن نبعده عن الأنظار ، فسمعة الفندق لا
قاطعه صفوت في توتر شديد: اصمت
ابتلع المدير كلماته ، وتراجع خارج الحجرة ، وكأنما ينأى بنفسه عن رؤية ذلك المشهد ، الذي لن يفارق خياله أبداً ، في حين ازدرد صفوت لعابه في صعوبة ، وهو يحدق في الجثة ، متسائلاً
: ترى
أى سلاح هذا ، الذي يمكن أن ينسف جمجمة كاملة، على هذا النحو؟
لقد شاهد إبان عمله في الصعيد ، رجلا أصيب بخمس رصاصات في جمجمته ، من مسافة ثلاثة أمتار ، وعلى الرغم من هذا فقد بقي رأسه في مكانه
أما هذا ، فقد تحطمت جمجمته تماماً
.......بل انسحقت سحقاً
فأي سلاح فعل بها هذا؟
أي سلاح؟
وفي عصبية بالغة ، سأل مدير الفندق : مع كل نظام الأمن والبوابات الإليكترونية ، كيف عبر القاتل بسلاحة إلى الداخل؟
هز المدير رأسه في توتر ، مجيباً : لا أحد يدري.. البوابات لم تطلق رنينها ، ونحن لم نسمع حتى دوي الرصاص .. لقد لمحنا وهجها فحسب ، ثم رأينا الدماء تنفجر ، لتغرق كل شيء ، وتترك ذلك المسكين خلفها هكذا
قال صفوت في عصبية: لم تسمعوا دوي الرصاصة؟ الذي فعل هذا استخدم حتماً مدفعاً يارجل ، وليس مجرد رصاصة
قال المدير مبهوتاً: وكيف يمكن أن يخفي مدفعاً؟
صاح صفوت بعصبية: أخبرني أنت
قال المدير في حدة : إنها مهنتك أنت .. أنا رجل سياحة وفندقة فحسب
هتف صفوت: وأنت المسئول الأول عن هذا المكان أيضاً
عاد المدير يجفف عرقه ، ويهز رأسه ، قائلاً : لا أحد هنا يدري كيف حدث هذا البوابات الإليكترونية تعمل بكفاءة ، والرجل لم يكن يحمل حتى حقيبة ، عندما عبرها واتجه نحو القتيل مباشرة ، ونسف رأسه
انعقد حاجبا صفوت بشدة ، وهو يقول في صرامة: اسمع يا رجل .. أنا ضابط شرطة ، منذ ما يقرب من اثني عشر عاماً ، وخبرتي تؤكد لي أن نتيجة كهذه لا يمكن أن تحدث ، إلا من سلاح ضخم ، فلا تقل لي إن أحداً لم يره يحمله
قال المدير في عصبية: وهل تعتقد أننا كنا سنتركه يفعل ما فعله بمنتهى البساطة ، لو أننا رأينا سلاحه؟
كان الجواب منطقياً إلى حد مستفز ، حتى أن صفوت قد عقد حاجبيه في توتر ، وهو يسأل في صرامة: وماذا بعد أن فعل ما فعل؟ لماذا تركتموه يمضي في سبيله؟
عض الرجل شفتيه ، قائلاً : ومن قال إننا تركناه؟
سأله صفوت في توتر: أين هو إذن؟
بقلم : د/ نبيل فاروق