سأله صفوت في توتر: أين هو إذن؟
قلب الرجل كفيه في مرارة ، وهو يجيب: للوهلة الأولى لم نفهم ما حدث ، خاصة أننا لم نسمع دوي رصاصة ، كما سبق أن أخبرتك ، ولكنه استدار يغادر المكان في هدوء ، على الرغم من صرخات الهلع والرعب والذعر ، فانقض عليه ستة من أقوى حراس الأمن عندنا ، و ......
قال صفوت في لهفة عصبية: وماذا؟
قلب الرجل كفيه مرة أخرى ، قائلاً : ولكنه أوقفهم جميعاً بضربة واحدة ، وغادر المكان بكل هدوء ، و ........
قاطعه صفوت بصيحة متنكرة : بضربة واحدة؟ أي نوع من الرجال تستخدمونه للحراسة يا رجل؟ أبطال لعبة تنس الطاولة؟
قال المدير في غضب عصبي : رجالنا هم أفضل أطقم الحراسة في مصر ياسيادة الرائد ، ولكن من الواضح أن ذلك الرجل كان قوياً كالثور ، أو أنه يستخدم شيئاً نجهله ، فقد أخبرني الرجال أنهم شعروا وكأنهم قد تلقوا صاعقة في صدورهم ، ألقتهم بعيداً عنه بمنتهى العنف
هتف صفوت في عصبية: هراء
قال المدير في حدة : ليس هراء أيها الرائد .... هذا ما وصفه الرجال بالضبط
قال صفوت في غلظة : مجرد محاولة سخيفة لتبرير فشل أكثر سخافة يارجل
ثم شد قامته مستطرداً في صرامة : وعلى أية حال سأتولى التحقيق في هذه الجريمة بنفسي
لم يكد ينطق عبارته ، حتى سمع دقات على باب الحجرة ، فالتفت إليه ، قائلاً في حدة : من خلف الباب؟
سمع صوتاً يتنحنح في حرج ، قبل أن يقول : هل يمكننا رفع الجثة الآن؟ نحن رجال الإسعاف ، ورجال الأدلة الجنائية هنا ، ويرغبون في بدء الفحص
قال صفوت في خشونة لم يتعمدها : دعهم يأتون
مضت لحظات من الصمت والسكون ، قبل أن يدفع أحدهم الباب ، ويدلف إلى الحجرة ... و
رباه ما هذا بالضبط؟ -
انطلقت شهقات مذعورة ، من حلوق الرجال ، وهم يحدقون في المشهد البشع ، فهتف بهم صفوت في غضب : ماذا دهاكم؟ ألم تروا جثة قتيل من قبل؟
هتف أحدهم بصوت مرتجف : ليس بهذه الصورة
أجابه في حدة : حاولوا اعتياد المشهد ، وارفعوا الجثة ، وانقلوها إلى الطب الشرعي ، فور انتهاء رجال الأدلة الجنائية من عملهم
ثم استدار إلى المدير متابعاً في صرامة : وأنت مُر رجالك بجمع كل نقطة دم ، امسحوها من مسرح الجريمة ، وكل ذرة تراب أيضاً.. حتى الأدوات والقطع ، التي استخدموها في عملهم الأخرق،
أريدها في المعمل الجنائي ، مع قائمة بأسماء كل العاملين في الفندق ، وكل رجل أمن وحراسة ، بالإضافة إلى فحص شامل للبوابات الإليكترونية
وانطلقت من أعمق أعماق صدره زفرة ملتهبة ، مضيفاً في عصبية: إنها جريمة معقدة ، ولا أريدها أن تصبح نقطة سوداء في ملف خدمتي
لم يدر ، وهو ينطق عبارته الأخيرة ، أن هذه الجريمة بالذات قد تنهي ملف خدمته كله
بل وقد تصبح نقطة تحول رهيبة في حياته كلها
......نقطة بلا عودة
.....على الإطلاق
************
زفر الدكتور أحمد الطبيب الشرعي الشاب ، في ضجر شديد ، وهو يوقف سيارته الصغيرة ، أمام مشرحة زينهم ويغادرها مغمغماً : كان ينبغي أن أستمع إلى نصيحة جدي ، عندما قال : إن كلية الزراعة أكثر فائدة من كلية الطب
زفر مرة أخرى ، وهو يدلف إلى مكتبه ، فهب مساعده من مقعده ، قائلاً : دكتور أحمد حمداً لله على أنك قد وصلت.. المباحث الجنائية اتصلت خمس مرات حتى الآن ، ووكيل النيابة يطلب سرعة فحص هذه الجثة ، وعمل التقرير اللازم
هتف الدكتور أحمد في حنق ، وهو يرتدي معطف وقفازي التشريح المطاطين: ماذا أصابهم جميعاً؟ إنها مجرد جريمة قتل ، وليست اغتيالاً سياسياً ، حتى يصاب الجميع بالهلع والتوتر إلى هذا الحد ، ثم إنني قد أتيت فور اتصالك بي ، ولكن الطرق مزدحمة للغاية ، في ساعة الذروة هذه ، فماذا يمكنني أن أفعل؟
واتجه بخطوات إلى قاعة التشريح ، متابعاً في غضب : لماذا لم تتصل بالدكتور إلهام أو الدكتور أبو سنة؟ كلاهما يقيم في مكان أقرب مني على الأقل
.......غمغم مساعده في توتر: الواقع أن
قاطعه في حدة: فليكن.. لا تبحث عن أعذار ومبررات.. أنا أفهم هذا
ومط شفتيه ، متمتماً في سخط : ولقد اعتدته أيضاً
توقف لحظة ، وهو يتطلع إلى الجثة الراقدة على منضدة الفحص الرخامية ، بكامل ملابسها ، وتمتم في عصبية: رباه من فعل به هذا؟
هز المساعد رأسه ، مغمغماً: لست أدري.. ضابط المباحث يقول .......
قاطعه أحمد مرة أخرى: لا بأس.. لا بأس.. أعطني التقرير الأولي ، وأحضر آلة التصوير ، لنقوم بعملنا
بقلم : د/ نبيل فاروق